كانت أسواق النخاسة ( التى يتم فيها بيع وشراء العبيد والجوارى ) منتشرة بطول مصر وعرضها وخاصة فى القاهرة والإسكندرية وطنطا، وكان سوق باب زويلة أحد أشهر هذه الأسواق ..
كتب الباحث "عماد هلال" فى كتابه "الرق والعتق فى مصر فى القرن19" الصادر عام 2014 :-
"كانت تجارة الرقيق تمارس على نطاق واسع فى مصر، وكان العبيد يتم بيعهم وشراؤهم كالبضائع والماشية تماماً، وكان العبيد البيض يتم جلبهم من المستعمرات الشركسية، والعبيد السود يتم جلبهم من كردفان ودارفور..
وكان للرقيق أوضاع قانونية تحدد طرق معيشتهم، وأساليب شرائهم وبيعهم، وكيفية تحديد أسعارهم..
وكان من المعتاد عند شراء الرقيق من الجنسين (رجلا أو إمرأة) أن يتم تعريتهم تماماً كما ولدتهم أمهم، للتأكد من خلوهم من الأمراض، وإجراء إختبارات معينة لهم، فمثلا كان يتم جس عضلات العبد، وكان يطلب منه أن يجرى لمسافات معينه وذلك للتأكد من حالته الصحية.
وأما الأنثى فكان يتم فحص ثدييها، والعبث بأعضائها التناسلية لتقدير مدى إكتنازها باللحم والشحم للتأكد من صلاحيتها لممارسة الجنس"!!.
وكان هذا كله يتم بعلم ومباركة مشايخ الأزهر، وذلك باعتبار أن الإسلام - حسب زعمهم - يقر تجارة الرقيق !!.
وكانت قصور كبار القوم (من المصريين والأتراك) مليئة بالعبيد والجوارى..
واستمرت تجارة الرقيق حتى اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية حين بدأت حركات حقوق الإنسان وقيام الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن بتحرير العبيد..
وبمجرد أن تولى الخديو إسماعيل الحكم عام 1863، ضرب ضربته الكبرى، فأصدر أمراً إلى حكمدار السودان بتعقب تجار الرقيق ومنعهم بالقوة من ممارسة تجارتهم..
ونفذ الحكمدار أوامر الخديو، وقام بضبط 70 سفينة مشحونة بالرقيق، واعتقل التجار الذين جلبوهم، وأطلق سراح العبيد وسمح لهم بالعودة لبلادهم ..
وثار مشايخ الأزهر ثورة عارمة على الخديو إسماعيل واتهموه بالخروج على الشريعة الإسلامية !!
وحاول الخديو التفاهم معهم وإقناعهم بأن إلغاء العبودية يتفق مع صحيح الإسلام ولكنه فشل فى إقناعهم ..
واستمر الخديو إسماعيل فى محاربة تجارة الرقيق - رغم معارضة المشايخ - واتخذ عدة إجراءات منها إنشاء شرطة نهرية، وإقامة نقطة مراقبة فى بلدة فاشودة بأعالى النيل، وأسند مهمة مقاومة الرقيق إلى الجنرال جوردون..
ورغم أن معظم جنود الجيش المصرى كانوا من العبيد، لكن هذا لم يمنع الخديو إسماعيل من مواصلة حربه ضد العبودية..
وأصدر الخديوي أمرا إلى المالية فى 29 ديسمبر 1874 بصرف مبلغ 26942 قرشا من خزينة الدولة لمالكى العبيد تعويضا لهم عن كل عبد يتم تحريره..
وفى 4 أغسطس 1877 وقعت الحكومة المصرية مع بريطانيا إتفاقية "الإسكندرية" التى نصت على محاربة تجارة الرقيق ومنع إستيراد أو تصدير العبيد السودانيين والأحباش، وفرض عقوبات مشددة على تجارة العبيد..
وكتب د.عمرو عبد العزير منير دراسة هامة فى مجلة ذاكرة مصر العدد 23 فى أكتوبر 2015، قال فيها :-
"كانت مناهج الأزهر التى يدرسها الطلبة الأزهريين تقول أن الإسلام أباح إمتلاك العبيد وذلك بثلاثة طرق مختلفة وهي :-
1- السبى فى الحروب.
2- الشراء.
3- الهبة..
وأن العبد يعتبر جزءاً من أملاك سيده، وأن الأملاك لها حرمة، لدرجة أن العبد المملوك إذا هرب من مالكه أصبح كافراً حتى يعود إليه !!"
وفى چينيف عقد مؤتمر الرق العالمى International Slavery Convention
وتم إقرار إتفاقية إلغاء الرق والعبودية، وكانت بريطانيا إحدى الدول الموقعة على الاتفاقية، وقد تعهدت بريطانيا بتنفيذ الاتفاقية فى مصر باعتبارها الدولة صاحبة السيادة على مصر..
ولم تتوقف معارضة مشايخ الأزهر للخديو إسماعيل..
وكان شيخ الأزهر ومفتى الديار المصرية، على رأس من يقود الحملة الضارية ضد الخديو، وانضم لهما هيئة كبار العلماء بأكملها !!
وأصدر شيخ الأزهر فتوى قال فيها:- "إن الرق باق مع بقاء الجهاد إلى يوم الدين"!!
وعند هذا الحد أدرك الخديوي إسماعيل أنه لاجدوى من الحوار بالحسنى مع مشايخ الأزهر، وأنه لامفر من مواجهتهم بصرامة وعنف.. فقام بعزل شيخ الأزهر والمفتى عن منصبيهما، وهدد بإلغاء هيئة كبار العلماء..
وهنا فقط تراجع المشايخ وقبلوا بالأمر الواقع ووافقوا مرغمين علي إلغاء الرق !!