اكتشاف حجر رشيد وحل شفرات اللغات المصرية القديمة
من حسن حظ الحضارة المصرية أن كشف عن حجر رشيد عام 1799م، ذلك الحجر الذي ضم مفاتيح اللغة المصرية القديمة والذي لولاه لظلت الحضارة المصرية غامضة لا ندري عن أمرها شيئًا؛ لأننا لا نستطيع أن نقرأ الكتابات التي دونها المصريون القدماء على آثارهم.
حصل الشاب الفرنسي "چان-فرانسوا شامبليون" على نسخة من الحجر كما حصل عليها غيره من الباحثين وعكف على دراسته مبدياً اهتماماً شديداً بالخط الهيروغليفي ومعتمداً على خبرته الطويلة في اللغة اليونانية القديمة، وفي اللغات القديمة بوجه عام.
وحجر رشيد المحفوظ حاليًّا في المتحف البريطاني مصنع من حجر الجرانوديوريت غير منتظم الشكل ارتفاعه 113 سم وعرضه 75 سم وسمكه 27,5 سم. وقد فُقدت أجزاء منه في أعلاه وأسفله. ويتضمن الحجر مرسوماً من الكهنة المجتمعين في مدينة منف (ميت رهينة-مركز البدرشين–محافظة الجيزة) يشكرون فيه الملك بطلميوس الخامس (إبيفانس 204 ق.م – 180 ق.م) حوالي عام 196 ق.م لقيامه بوقف الأوقاف على المعابد وإعفاء الكهنة من بعض الالتزامات، وسجل هذا المرسوم بخطوط ثلاثة هي حسب ترتيب كتابتها من أعلى إلى أسفل: الهيروغليفية، الديموطيقية، اليونانية، وقد فقد الجزء الأكبر من الخط الهيروغليفي وجزء بسيط من النص اليوناني، وقد أراد الكهنة أن يسجلوا هذا العرفان بالفضل للملك البطلمي بالخط الرسمي وهو الخط الهيروغليفي، وخط الحياة اليومية السائد في هذه الفترة وهو الخط الديموطيقي، ثم بالخط اليوناني وهو الخط الذي تكتب به لغة البطالمة الذين كانوا يحتلون مصر.
وكان المكتشفون للحجر قد اقترحوا أن الحجر يتضمن نصًّا واحدًا بخطوط ثلاثة مختلفة، واتضح فيما بعد أن اقتراحهم كان صائباً. وبعد نقل الحجر إلى القاهرة أمر "نابليون بونابرت" قائد الحملة الفرنسية بإعداد عدة نسخ منه لتكون في متناول المهتمين بالحضارة المصرية في أوروبا بوجه عام وفي فرنسا بوجه خاص. وكان الحجر قد وصل إلى بريطانيا عام 1802 بمقتضى اتفاقية العريش التي أُبرمت بين إنجلترا بقيادة القائد "نيلسون" وفرنسا بقيادة القائد "مينو"، تسلمت إنجلترا بمقتضاها الحجر وآثارًا أخرى وبدأ الباحثون بترجمة النص اليوناني، وأبدى الباحثان "سلفستر دي ساسي" و"أكربلاد" اهتماماً خاصًّا بالخط الديموطيقي.
وجاءت أولى الخطوات الهامة في مجال الخط الهيروغليفي على يد العالم الإنجليزي "توماس يونج" الذي حصل على نسخة من حجر رشيد عام 1814 والذي افترض أن الخراطيش الموجودة في النص الهيروغليفي، تحتوي على أسماء ملكية. واعتمد على نصوص أخرى مشابهه كالمسلة التي عثر عليها في فيلة عام 1815م والتي تتضمن نصًّا باليونانية وآخر بالهيروغليفية.
ورغم كل الجهود السابقة في فك رموز حجر رشيد إلا أن الفضل الأكبر يرجع للعالم الفرنسي "جان فرانسوا شامبليون" (1790-1832).
كان على شامبليون أن يواجه مجموعة من الافتراضات:
· أولها: هل الخطوط الثلاثة (الهيروغليفية – الديموطيقية – اليونانية) تمثل ثلاثة نصوص مختلفة من حيث المضمون أم أنها تمثل موضوعاً واحداً ولكنه كتب بالخط الرسمي (الهيروغليفي)، وخط الحياة اليومية السائدة في هذه الفترة (الديموطيقي) ثم بلغة اليونانيين الذين كانوا يحكمون مصر.
· ثانيها: يتعلق ببنية اللغة المصرية هل تقوم على أبجدية أي مجموعة من الحروف كاللغات الحية مثلاً ؟ أم أنها كتبت بعلامات تراوحت قيمتها الصوتية بين حرف وحرفين أو ثلاثة أو ربما أكثر.
· ثالثها: هل عرفت هذه الكتابة حروف الحركة؟ وهل العلامات تصويرية أم صوتية؟ وما هي الأدوات التي استخدمها المصري لتحديد معنى المفردات؟ وهل استخدمت المخصصات والعلامات التفسيرية ؟!!...الخ
لابد أن هذه الافتراضات والتساؤلات وغيرها كانت تدور في ذهن "شامبليون" وهو يتعامل مع الحجر ولابد أنه قد استرعى انتباهه أن هناك أكثر من خط للغة المصرية القديمة، فضلاً عن تساؤلات منها: هل هناك علاقة خطية بين الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية؟ وهل هناك من علاقة لغوية في مجال القواعد والصرف.. الخ.. ثم هذه العلامات الأسطوانية في النص الهيروغليفي والتي تحيط ببعض العلامات الهيروغليفية – والتي عرفناها فيما بعد باسم الخرطوش – ماذا تعني؟
لقد قرأ شامبليون النص اليوناني وفهم مضمونه وقرأ اسم الملك بطلميوس، والواضح أنه سلك منهج الاعتماد على أسماء الأعلام غير القابلة للتغيير، وتحرك من فرضية أن هذا المرسوم الذي صدر في عهد الملك بطلميوس الخامس عام 196 ق.م. لابد وأنه قد كتب إلى جانب اليونانية بخطين من خطوط اللغة الوطنية. ولابد أن اسم بطليموس باليونانية سوف يتكرر في الخطين الهيروغليفي والديموطيقي. وفي ظل إدراك "شامبليون" بأن الحروف الساكنة لأسماء الأعلام لا تتغير مهما تعددت اللغات التي كتبت بها، ففي العربية نجد اسماً مثل "مجدي" لا يمكن للحروف الأولى الثلاثة أن تسقط، وكذلك "حسن" وإن خفت بعض الحروف أو انقلبت أو أُبدلت، إلا أن الصعوبة سوف تتمثل في حروف الحركة التي تحدد نطق السواكن بالفتحة أو بالضمة أو بالكسرة. ولخلو اللغة المصرية القديمة من حروف الحركة يجيء الاختلاف في نطق السواكن، إلا أن القبطية التي ظهرت فيها حروف الحركة حسمت الأمر إلى حد كبير.
ضمن حجر رشيد خرطوشاً واحداً تكرر ست مرات ضم اسم الملك "بطلميوس" وهو الاسم الذي ورد على مسلة "فيلة" بالإضافة إلى اسم "كيلوباترا".
سجل "شامبليون" العلامات الواردة في خرطوش "بطلميوس" ورقمها وفعل نفس الشيء بالنسبة لخرطوش "كيلوباترا"
الوارد على مسلة فيلة نظراً لاشتراك الاسمين في القيمة الصوتية لبعض العلامات كالباء والتاء واللام. وسجل نفس الاسمين باليونانية ورقم كل حرف منها وقابل العلامة الأولى من اسم "بطلميوس" بالهيروغليفية وما يقابلها في اسمه باليونانية، وتمكن "شامبليون" من أن يتعرف على القيمة الصوتية لبعض العلامات الهيروغليفية اعتمادًا على قيمتها الصوتية في اليونانية.
وبمزيد من الدراسات المقارنة أمكن لـ"شامبليون" أن يتعرف على القيمة الصوتية لكثير من العلامات، وفي عام 1822 أعلن "شامبليون" على العالم أنه تمكن من فك رموز اللغة المصرية القديمة، وأن بنية الكلمة في اللغة المصرية لا تقوم على أبجدية فقط، وإنما تقوم على علامات تعطي القيمة لحرف واحد وأخرى لاثنين وثالثة لثلاثة، وأكد استخدام المخصصات في نهاية المفردات لتحديد معنى الكلمة.
وهكذا وضع "شامبليون" اللبنات الأولى في صرح اللغة المصرية القديمة. وجاء من بعده المئات من الباحثين الذين أسهموا في استكمال بناء هذا الصرح الشامخ.
وبمعرفة اللغة المصرية القديمة بدأ الغموض ينجلي عن الحضارة المصرية وأخذ علم المصريات يشق طريقه بقوة بين العلوم الأخرى.
من حسن حظ الحضارة المصرية أن كشف عن حجر رشيد عام 1799م، ذلك الحجر الذي ضم مفاتيح اللغة المصرية القديمة والذي لولاه لظلت الحضارة المصرية غامضة لا ندري عن أمرها شيئًا؛ لأننا لا نستطيع أن نقرأ الكتابات التي دونها المصريون القدماء على آثارهم.
حصل الشاب الفرنسي "چان-فرانسوا شامبليون" على نسخة من الحجر كما حصل عليها غيره من الباحثين وعكف على دراسته مبدياً اهتماماً شديداً بالخط الهيروغليفي ومعتمداً على خبرته الطويلة في اللغة اليونانية القديمة، وفي اللغات القديمة بوجه عام.
وحجر رشيد المحفوظ حاليًّا في المتحف البريطاني مصنع من حجر الجرانوديوريت غير منتظم الشكل ارتفاعه 113 سم وعرضه 75 سم وسمكه 27,5 سم. وقد فُقدت أجزاء منه في أعلاه وأسفله. ويتضمن الحجر مرسوماً من الكهنة المجتمعين في مدينة منف (ميت رهينة-مركز البدرشين–محافظة الجيزة) يشكرون فيه الملك بطلميوس الخامس (إبيفانس 204 ق.م – 180 ق.م) حوالي عام 196 ق.م لقيامه بوقف الأوقاف على المعابد وإعفاء الكهنة من بعض الالتزامات، وسجل هذا المرسوم بخطوط ثلاثة هي حسب ترتيب كتابتها من أعلى إلى أسفل: الهيروغليفية، الديموطيقية، اليونانية، وقد فقد الجزء الأكبر من الخط الهيروغليفي وجزء بسيط من النص اليوناني، وقد أراد الكهنة أن يسجلوا هذا العرفان بالفضل للملك البطلمي بالخط الرسمي وهو الخط الهيروغليفي، وخط الحياة اليومية السائد في هذه الفترة وهو الخط الديموطيقي، ثم بالخط اليوناني وهو الخط الذي تكتب به لغة البطالمة الذين كانوا يحتلون مصر.
وكان المكتشفون للحجر قد اقترحوا أن الحجر يتضمن نصًّا واحدًا بخطوط ثلاثة مختلفة، واتضح فيما بعد أن اقتراحهم كان صائباً. وبعد نقل الحجر إلى القاهرة أمر "نابليون بونابرت" قائد الحملة الفرنسية بإعداد عدة نسخ منه لتكون في متناول المهتمين بالحضارة المصرية في أوروبا بوجه عام وفي فرنسا بوجه خاص. وكان الحجر قد وصل إلى بريطانيا عام 1802 بمقتضى اتفاقية العريش التي أُبرمت بين إنجلترا بقيادة القائد "نيلسون" وفرنسا بقيادة القائد "مينو"، تسلمت إنجلترا بمقتضاها الحجر وآثارًا أخرى وبدأ الباحثون بترجمة النص اليوناني، وأبدى الباحثان "سلفستر دي ساسي" و"أكربلاد" اهتماماً خاصًّا بالخط الديموطيقي.
وجاءت أولى الخطوات الهامة في مجال الخط الهيروغليفي على يد العالم الإنجليزي "توماس يونج" الذي حصل على نسخة من حجر رشيد عام 1814 والذي افترض أن الخراطيش الموجودة في النص الهيروغليفي، تحتوي على أسماء ملكية. واعتمد على نصوص أخرى مشابهه كالمسلة التي عثر عليها في فيلة عام 1815م والتي تتضمن نصًّا باليونانية وآخر بالهيروغليفية.
ورغم كل الجهود السابقة في فك رموز حجر رشيد إلا أن الفضل الأكبر يرجع للعالم الفرنسي "جان فرانسوا شامبليون" (1790-1832).
كان على شامبليون أن يواجه مجموعة من الافتراضات:
· أولها: هل الخطوط الثلاثة (الهيروغليفية – الديموطيقية – اليونانية) تمثل ثلاثة نصوص مختلفة من حيث المضمون أم أنها تمثل موضوعاً واحداً ولكنه كتب بالخط الرسمي (الهيروغليفي)، وخط الحياة اليومية السائدة في هذه الفترة (الديموطيقي) ثم بلغة اليونانيين الذين كانوا يحكمون مصر.
· ثانيها: يتعلق ببنية اللغة المصرية هل تقوم على أبجدية أي مجموعة من الحروف كاللغات الحية مثلاً ؟ أم أنها كتبت بعلامات تراوحت قيمتها الصوتية بين حرف وحرفين أو ثلاثة أو ربما أكثر.
· ثالثها: هل عرفت هذه الكتابة حروف الحركة؟ وهل العلامات تصويرية أم صوتية؟ وما هي الأدوات التي استخدمها المصري لتحديد معنى المفردات؟ وهل استخدمت المخصصات والعلامات التفسيرية ؟!!...الخ
لابد أن هذه الافتراضات والتساؤلات وغيرها كانت تدور في ذهن "شامبليون" وهو يتعامل مع الحجر ولابد أنه قد استرعى انتباهه أن هناك أكثر من خط للغة المصرية القديمة، فضلاً عن تساؤلات منها: هل هناك علاقة خطية بين الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية؟ وهل هناك من علاقة لغوية في مجال القواعد والصرف.. الخ.. ثم هذه العلامات الأسطوانية في النص الهيروغليفي والتي تحيط ببعض العلامات الهيروغليفية – والتي عرفناها فيما بعد باسم الخرطوش – ماذا تعني؟
لقد قرأ شامبليون النص اليوناني وفهم مضمونه وقرأ اسم الملك بطلميوس، والواضح أنه سلك منهج الاعتماد على أسماء الأعلام غير القابلة للتغيير، وتحرك من فرضية أن هذا المرسوم الذي صدر في عهد الملك بطلميوس الخامس عام 196 ق.م. لابد وأنه قد كتب إلى جانب اليونانية بخطين من خطوط اللغة الوطنية. ولابد أن اسم بطليموس باليونانية سوف يتكرر في الخطين الهيروغليفي والديموطيقي. وفي ظل إدراك "شامبليون" بأن الحروف الساكنة لأسماء الأعلام لا تتغير مهما تعددت اللغات التي كتبت بها، ففي العربية نجد اسماً مثل "مجدي" لا يمكن للحروف الأولى الثلاثة أن تسقط، وكذلك "حسن" وإن خفت بعض الحروف أو انقلبت أو أُبدلت، إلا أن الصعوبة سوف تتمثل في حروف الحركة التي تحدد نطق السواكن بالفتحة أو بالضمة أو بالكسرة. ولخلو اللغة المصرية القديمة من حروف الحركة يجيء الاختلاف في نطق السواكن، إلا أن القبطية التي ظهرت فيها حروف الحركة حسمت الأمر إلى حد كبير.
ضمن حجر رشيد خرطوشاً واحداً تكرر ست مرات ضم اسم الملك "بطلميوس" وهو الاسم الذي ورد على مسلة "فيلة" بالإضافة إلى اسم "كيلوباترا".
سجل "شامبليون" العلامات الواردة في خرطوش "بطلميوس" ورقمها وفعل نفس الشيء بالنسبة لخرطوش "كيلوباترا"
الوارد على مسلة فيلة نظراً لاشتراك الاسمين في القيمة الصوتية لبعض العلامات كالباء والتاء واللام. وسجل نفس الاسمين باليونانية ورقم كل حرف منها وقابل العلامة الأولى من اسم "بطلميوس" بالهيروغليفية وما يقابلها في اسمه باليونانية، وتمكن "شامبليون" من أن يتعرف على القيمة الصوتية لبعض العلامات الهيروغليفية اعتمادًا على قيمتها الصوتية في اليونانية.
وبمزيد من الدراسات المقارنة أمكن لـ"شامبليون" أن يتعرف على القيمة الصوتية لكثير من العلامات، وفي عام 1822 أعلن "شامبليون" على العالم أنه تمكن من فك رموز اللغة المصرية القديمة، وأن بنية الكلمة في اللغة المصرية لا تقوم على أبجدية فقط، وإنما تقوم على علامات تعطي القيمة لحرف واحد وأخرى لاثنين وثالثة لثلاثة، وأكد استخدام المخصصات في نهاية المفردات لتحديد معنى الكلمة.
وهكذا وضع "شامبليون" اللبنات الأولى في صرح اللغة المصرية القديمة. وجاء من بعده المئات من الباحثين الذين أسهموا في استكمال بناء هذا الصرح الشامخ.
وبمعرفة اللغة المصرية القديمة بدأ الغموض ينجلي عن الحضارة المصرية وأخذ علم المصريات يشق طريقه بقوة بين العلوم الأخرى.