صفحة 1 من 1

قصة حياة عالم العلماء وشيخ المشايخ عبد الحميد كشك مؤسس المدرسة المحمدية

مرسل: 24/11/12 21:56
بواسطة admin
الشيخ عبد الحميد كشك من أبرز وأهم أعلام الحركة الإسلامية

قصة حياة عالم العلماء وشيخ المشايخ/ عبد الحميد كشك - رحمة الله عليه ورضوانه

الشيخ عبد الحميد كشك.jpg
الشيخ عبد الحميد كشك.jpg (24.3 KiB) تمت المشاهدة 152 مرةً
10 مارس 1933 - 6 دجنبر1996
هو عالم وداعية إسلامي، ويعد من أشهر خطباء القرن العشرين في العالم العربي و الإسلامي. له أكثر من 2000 خطبة مسجلة
يحتار الإنسان كثيراً عندما يريد الكتابة عن النجم الذي هوى .. محامي الحركة الإسلامية .. الداعية الكبير المُفوه الشيخ عبد الحميد كشك .. ذلك لأن الأحزان المتواصلة برحيل الدعاة الكبار جعل الساحة الإسلامية تنتقل من حزن إلى حزن..ومن مأتم إلى مأتم.. ومن الأسف البالغ .. لأن من يرحلون لا نجد من يسد فراغهم الكبير .
ففي عام 1996م – عام الحزن – رحل عنا فضيلة الأستاذ محمد حامد أبو النصر – المرشد العام السابق للإخوان المسلمين – ورحل حكيم الدعاة محمد الغزالي، ورحل الرجل الصابر الشجاع جاد الحق علي جاد الحق ، والمؤرخ المسلم الكبير الدكتور حسين مؤنس، والجناح الطائر للحركة الإسلامية الدكتور سعيد رمضان، والكاتب الإسلامي خالد محمد خالد، وكانت خاتمة الأحزان برحيل الفارسين الكبيرين في أسبوع واحد : الدكتور عبد الرشيد صقر والشيخ عبد الحميد كشك .. رحم الله هذا الجمع المبارك رحمة واسعة .
حياته وعلمه
وُلد الشيخ عبد الحميد كشك في قرية خبراخيت بمحافظة البحيرة في العاشر من مارس لعام 1933م ، وحفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره ، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية ، وفي السنة الثانية ثانوي حصل على تقدير 100% . وكذلك في الشهادة الثانوية الأزهرية وكان ترتيبه الأول على الجمهورية ، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر. وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة ، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب، خاصة علوم النحو والصرف .
عُين الراحل الكبير الشيخ عبد الحميد كشك معيداً بكلية أصول الدين عام 1957م ، ولكنه لم يقم إلا بإعطاء محاضرة واحدة للطلاب بعدها رغب عن مهنة التدريس في الجامعة، حيث كانت روحه معلقة بالمنابر التي كان يرتقيها من سن 12 سنة ، ولا ينسى فضيلته تلك الخطبة التي ارتقى فيها منبر المسجد في قريته في هذه السن الصغيرة عندما تغيب خطيب المسجد، وكيف كان شجاعاً فوق مستوى عمره الصغير، وكيف طالب بالمساواة والتراحم بين الناس، بل وكيف طالب بالدواء والكساء لأبناء القرية، الأمر الذي أثار انتباه الناس إليه والتفافهم حوله.
بعد تخرجه في كلية أصول الدين، حصل على إجازة التدريس بامتياز، ومثل الأزهر الشريف في عيد العلم عام 1961م، ثم عمل إماماً وخطيباً بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة. ثم انتقل إلى مسجد منوفي بالشرابية أيضاً، وفي عام 1962م تولى الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة، بشارع مصر والسودان بمنظقة حدائق القبة بالقاهرة.. ذلك المسجد الذي ظل عيناً للحياة قرابة عشرين عاماً .. هي عمر الشيخ الجليل على منبره إلى أن اعتُقل في عام 1981م وتم منعه نهائياً من الدعوة والخطابة إلى أن لقي ربه أسيراً ساجداً بين يديه .
للشيخ الجليل الراحل شقيقان هما : المهندس عبد المنعم كشك والمستشار عبد السلام كشك – أمين صندوق نقابة المحامين بالقاهرة – وله أيضاً شقيقتان متزوجتان، وله من الأبناء ثمانية، خمسة من الذكور، وثلاثة من الإناث، أما الذكور فهم : عبد السلام وعبد المنعم، وهما محاميان، ومحمد متخرج في كلية الإعلام جامعة القاهرة، ومصطفى الطالب بكلية التجارة، وعبد الرحمن الطالب بالإعدادية، أما بناته فهُنّ : أسماء وهي متزوجة، وتوفي عنها زوجها ولديها طفل صغير اسمه يوسف، وخديجة وهي متزوجة ولديها محمود، وفاطمة الطالبة بالصف الثاني الثانوي، ولعل الكثيرين لا يعرفون أن جميع أبناء الشيخ عبد الحميد كشك يحفظون القرآن الكريم كاملاً، كما أخبرني بذلك ابنه عبد المنعم فقد كان الفارس الذي رحل عنا مربياً ذكياً صبوراً محتسباً.
اعتقل الشيخ الجليل رحمه الله عام 1965م وظل بالمعتقل لمدة عامين ونصف، تنقل خلالها بين معتقلات طرة وأبو زعبل والقلعة والسجن الحربي
كما اعتقل عام 1981م وكان هجوم السادات عليه في خطاب 5 سبتمبر 1981م هجوماً مراً، كما كان الهجوم البذيء- كذلك – على كبار الدعاة كالمرحوم عمر التلمساني ، والداعية الكبير الشيخ أحمد المحلاوي، وقد لقي الداعية الكبير خلال هذه الإعتقالات عذاباً رهيباً ترك آثاره على كل جسده. وكان كما قال مرافقوه داخل السجون مثالاً للصبر والثبات والاحتساب واليقين .
في رحاب التفسير
ترك الداعية الكبير الراحل 108 كتب تناول كافة مناهج العمل والتربية الإسلامية، وكان في كل هذه الكتابات ميسراً لعلوم القرآن والسنة، مراعياً لمصالح الناس وفِقهِ واقعهم بذكاء وعمق وبصيرة. كما توج جهوده العلمية بمؤلفه الضخم في عشرة مجلدات " في رحاب التفسير " الذي قام فيه بتفسير القرآن الكريم كاملاً، وهو أول تفسير يعرض للجوانب الدعوية في القرآن الكريم . ويُمثل ضلعاً ثالثاً إلى جانب "في ظلال القرآن " للشهيد سيد قطب ، والأساس " لسعيد حوى " .
جديرُ بالذكر أنا الداعية الكريم الراحل الشيخ عبد الحميد كشك كان مبصراً إلى أن صار عمره ثلاثة عشر عاماً ففقد نور إحدى عينيه ، وفي سن السابعة عشرة، فقد العين الأخرى، وكان كثيراً ما يقول عن نفسه، كما كان يقول ابن عباس – رضوان الله عليه - :
إن يأخذِ الله من عينيّ نورهما***ففي فؤادي وعقلي عنهما نورُ
كانت نهاية الشيخ المجاهد الراحل بحق هي حسن الختام .. فقد توضأ في بيته لصلاة الجمعة وكعادته، كان يتنفل بركعات قبل الذهاب إلى المسجد، فدخل الصلاة وصلى ركعة، وفي الركعة الثانية، سجد السجدة الأولى ورفع منها ثم سجد السجدة الثانية وفيها أسلم الروح إلى بارئه .. متوضئاً مصلياً ساجداً .. وبقدر ما كان الحزن يعتصر المعزّين .. بقدر ما كانت سعادة الكثير منهم بهذه الخاتمة الطيبة الحسنة .. فالمرء يُبعث على ما مات عليه، لذلك فإن الداعية الشهير الشيخ محمد حسان عندما حضر إلى العزاء ليلة الوفاة ..قال لأبنائه : لم آت مُعزياً .. وإنما أتيت مهنئاً .. وحق لكم أن ترفعوا رؤوسكم لأنكم أبناء المجاهد الطاهر عبد الحميد كشك .
مع أسـرته
وفي لقاء المجتمع بأبنائه رحمة الله عليه ، كانت لنا لقاءات مع أفراد الأسرة جميعاً .. وظل أبناؤه يتحدثون عن مآثره كوالد ومُربٍ .. فقال ابنه عبد المنعم : هل تعلم أن والدي لم يضرب أي واحد منا نحن الثمانية طوال حياته أبداً .. وهل تعلم أنه قام بتحفيظنا القرآن الكريم بنفسه، رغم ضيق وقته، وكثرةُ شواغله وهمومه ، ثم قال : كان والدي – رحمه الله – يظل في محبسه هذا بجوار الهاتف ، يرد على أسئلة واستفسارات الناس لمدة طويلة كل يوم كانت تصل في بعض الأيام إلى أكثر من خمس ساعات .. وعندما كنا نشفق عليه من هذا الجهد المزعج، كان يقول : لا بد أن أعمل هذا، لكي يكون راتبي من وزارة الأوقاف حلالاً .
ثم قال : إن ابنتي " هالة " هو الذي سماها بهذا الاسم .. وعندما سألناه لماذا ؟ قال : لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُحب هذا الاسم، لأن خديجة أم المؤمنين رضوان الله عليها كان لها أخت اسمها هالة، وكانت تشبهها تماماً، وبعد وفاة السيدة خديجة كانت أختها هالة كلما رآها الرسول صلى الله عليه وسلم ازداد سروراً، وكان كلما طرق بابه طارق يقول : اللهم هالة
لذلك فقد أطلق عليها هذا الاسم الحبيب للحبيب صلى الله عليه وسلم، ونحن نعتبر أن الذخيرة التي تركها الراحل الكبير من الأشرطة التي تضم خطبه ودروسه، كانت من أهم روافد التربية الإسلامية خلال العشرين سنةً الماضية، وقد كتب الله لها الذيوع والانتشار في شتى أنحاء الأرض، وقد وصلت إلى 425 خُطبة جمعة ، وأكثر من ثلاثة آلاف درس، وكانت آخر خطبه رضوان الله عليه هي الخطبة رقم 425 الشهيرة قبيل اعتقاله عام 1981 م ، والتي بدأها بقوله تعالى " ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، مهطعين مُقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء " ( إبراهيم : 42، 43 )، وظل بعدها رهين المحبسين إلى أن لقي ربه ساجداً في الخامس والعشرين من شهر رجب لعام 1417 هـ الجمعة الموافق 6 ديسمبر لعام 1996 م .
ليلة العــزاء
كان من فضل الله علي أني تتلمذت على يدي الشيخ الراحل الجليل ، فقد لازمته حوالي سبع سنوات ، وأنا أقطن على مقربة منه بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة ، ثم دامت اتصالاتي وزياراتي له منذ إيقافه عن الخطابة حتى رحيله.
وكان من فضل الله عليّ أن أولاده قد شرفوني بتقديم المتحدثين في ليلة العزاء .. الذي كان صورة أخرى من جموع مسجد عين الحياة ، حيث توافد مئات الآلاف من شتى أرجاء الجمهورية ، بل وحضر الكثيرون من الدول الإسلامية لتقديم العزاء في الشيخ الجليل الراحل .
تحدث في هذه الجموع الحاشدة الأستاذ مصطفى مشهور – المرشد العام للإخوان المسلمين – الذي أشار في كلمته إلى الرحلة الجهادية والدعوية للشيخ كشك، وقال : إن رحيل الدعاة إلى الله كالدكتور عبد الرشيد صقر، والشيخ كشك لهو شكوى خالصة إلى الله عز وجل ، وقال : إن الشيخ كشك كان واحداً من فرسان المنابر القلائل والمعدودين، وكان من الدعاة المخلصين العاملين وإننا جميعاً نتعزى فيه، ونسأل الله أن نفيد من علمه الذي ملأ الدنيا وأنار بصائر الناس.
كما تحدث فضيلة الدكتور محمد عبد المنعم البري – رئيس جبهة علماء الأزهر – الذي قال : إن حُزني على الشيخ كشك لا يعدله حُزن أبداً .. ذلك لأنني كنت البديل له عندما يتغير عن منبره، وإن أخوتي له تستمر على مدى خمسة وثلاثين عاماً، ما عهدته خلالها إلا أسداً من أسود الحق لا يبالي في الله لومة لائم ، وكان يعتبر نفسه جندياً في أرض الرباط ، ولذلك رفض الرحيل من مصر رغم العروض والإغراءات التي انهالت عليه من كل مكان، ولكنه كان يقول : إن فرار العلماء من مصر خلال هذه الفترة العصيبة من تاريخها، كالتولي يوم الزحف ، لأن مصر هي قلب العالم الإسلامي، وإذا مات القلب مات الجسد كله .
أما الشيخ تاج الدين الهلالي – مفتي قارة أستراليا وأحد الأصدقاء المقربين جداً من الشيخ كشك – فقال في كلمته : لقد حدثته من يومين بالهاتف، فقال لي : أقبل لكي أراك .. لعلها رؤية مودع، وبالفعل كانت رؤية مودع، ثم قال فضيلته في كلمة العزاء التي هزّ بها جموع المعزين : أما آن للأيدي الشلاء التي قيدت كلمات الله، وكبلت الدعاة إلى الله أن تفيق، فإن عدونا على الأبواب، فأفيق أيها الناس فإن الأمر جد خطير، وما عهدنا مصر هكذا .. تأكل أبناءها ..
وتحدث كذلك بين التلاوات القرآنية المتعاقبة لمشاهير القراء ، كل من الدعاة الإسلاميين : الشيخ طه السماوي ، والشيخ نشأت الدبيس ، والدكتور عاطف أمان ، والشيخ شعبان الغرباوي ، وكيل أول وزارة الأوقاف ، الذي قدم عزاء الوزارة في الشيخ الجليل الراحل ، ثم تحدث المهندس إبراهيم شكري – رئيس حزب العمل ، والمفكر الإسلامي الدكتور جمال عبد الهادي ، والشيخ المجاهد حافظ سلامة – رئيس جمعية الهداية الإسلامية ، الذي بكى وأبكى الناس باستعراضه عدداً من المواقف الجليلة للشيخ كشك رحمة الله عليه .
ثم تحدث الداعية الكبير الشيخ يوسف البدري ، والشيخ المجاهد أحمد المحلاوي ، الذي قال : أحسن الله عزاءنا معشر المسلمين ، وعظم الله أجرنا بني الإسلام ، ورحم الله ميّتينا .. ففي أسبوع واحد لقيا ربهما عالمان جليلان ، وداعيان إسلاميان عظيمان ، ما أحسب أن التراب الذي واراهما سوف يطمس اسميهما في أذهان وقلوب وأسماع الملايين ، بل لعل وفاتهما تجعل من علميهما زاداً ومداداً على الطريق ... عرفتهما المعتقلات – كما عرفت غيرهم من الرجال – أمثلة للصبر والسداد وعرفتها المنابر من فرسان الحق الذين يجولون به وله ، وعرفتهما ساحات العطاء الإسلامي ، والإصلاح الاجتماعي .. ينزلان على الناس بردا وسلاماًً ، كما ينزل ماء السماء فيحيي به الله الأرض بعد موتها .
ولك وحدك يا رب نقول : " إلى الله المشتكى " .
مفاتيح شخصيته
وأخيراً . إذا أردنا أن نضع مفاتيح لشخصية الداعية الكبير الراحل الشيخ عبد الحمد كشك ..فإننا نرى أنها تتلخص في أربعة أمور :
أولاً : الإخلاص العميق في كل علم وعمل .
ثانياً : الصدق والثبات والشجاعة إلى أقصى حد .
ثالثاً : الذكاء الحاد وخفة الظل التي قرّبت منه مفاهيم الدعوة للناس .
رابعاً : المواهب الشخصية التي حباه الله تعالى بها، كالذاكرة الذهبية ، واللباقة والفصاحة التي لا مثيل لها .
وإذا كنا نذكر في عصرنا الحاضر للشيخ الشعراوي مثلاً أنه قد جعل من علم التفسير علماً شعبياً ، ونذكر للشيخ الغزالي – رحمة الله عليه- أنه الحكيم الأول للدعوة الإسلامية المعاصرة ، ونذكر للقرضاوي أنه فقيه الصحوة الإسلامية العالمية ، ونذكر للشهيد سيد قطب أنه المفسر الدعوي للقرآن الكريم ، ونذكر للمرحوم سعيد حوى أنه المفكر الموضوعي لعلوم القرآن والسنة ، ومن قبل ومن بعد نذكر للإمام الشهيد حسن البنا، أنه البنّاء الأول للفكر الإسلامي المعاصر ، فإننا نذكر للشيخ كشك رحمة الله عليه أنه المحامي الأول للحركة الإسلامية المباركة فقد دخل بالدعوة – بالمفاتيح التي سبقت الإشارة إليها آنفاً – إلى كل مكان .
كنت تسمع في أشرطته عند أساتذة الجامعات كما تسمعها عند سائقي السيارات وبائعي الفاكهة والعصائر ، وكان يُحبه العلماء والمثقفون ، كما يحبه العامة والفلاحون والعمال .
وفي هذه الفترة – فترة إعادة التأسيس للعمل الإسلامي المعاصر – كانت المفاهيم الشمولية للإسلام قد غابت عن الناس كثيراً ، وكانت النظرة التكاملية للفكرة الإسلامية قد عبث بها أصابع الاشتراكية والماركسية والناصرية ، وكانت رموز العمل الإسلامي تنتقل من كرب إلى كرب ، والفضل يرجع – بعد الله تعالى – إلى هذا الرجل الراحل الشجاع ، الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، فدوّت على المنابر أسماءُ حسن البنا و سيد قطب، و محمد فرغلي، وعبد القادر عودة، ويوسف طلعت، تماماً كما تُدوي أسماء ابن حنبل، وابن تيمية، والعز بن عبد السلام، كذلك كانت لخبرة الشيخ كشك الواسعة في الحياة، وأنماطها الاجتماعية، وتمكنه من طرح رؤيته في مسائل المرأة والشريعة والتربية والجهاد والإصلاح الاجتماعي .. كان لذلك كله أبعد الأثر في التحليق بالدعوة في كل مكان .
وإذا كنا جميعاً نذكر للشيخ كشك أنه يكاد يكون الداعية الوحيد الذي ظل يخطب أربعين عاماً، ما أخطأ مرة واحدةً في اللغة العربية، فإننا كذلك نذكر له أنه كان أحد الثقاة المعدودين في علوم الحديث ، فما رجعنا إليه في مُعضلة إلا وجدناه بحراً زاخراً من العلم الأصيل العميق الدافق ، فقد كان رحمة الله عليه يُفتي في مسائل الميراث شفوياً – وكان يحُل أعتى مشكلات الفقه والأصول وكأنه يسكب ماءً زلالاً .
كذلك لا ننسى له أبداً .. أنه كان الداعية الأول الذي كسر حاجز الخوف عند الدعاة والمدعوين، فما كان لنا أن نكون بهذه الجرأة على المنابر، إلا حين وجدنا الفارس الأول الشيخ عبد الحميد كشك قد سبق بفدائية وجسارة إلى كسر هذا الحاجز، خاصة في فترات إعادة الحركة الإسلامية لنشاطها في بداية السبعينيات .
رحم الله شيخنا الجليل الراحل الشيخ عبد الحميد كشك وسلام على الصادقين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .