مرة أخرى سئل عن عدد الثواني التي عاشها رجل يبلغ من العمر 70 عامًا و 17 يومًا و 12 ساعة، فأجاب خلال دقيقة ونصف 2210500.800.
كان أحد الرجال يحل المسائل على الورق ، وأبلغ فولر أنه كان مخطئًا ، لأن الإجابة كانت أصغر بكثير ! أجاب فولر على عجل: “توب ، ماسا ، لقد نسيت سنة كبيسة“. وعندما تمت إضافة السنة الكبيسة ، تطابقت الأرقام !
ولد توماس عام 1710 في مكان ما غرب أفريقيا ، يعرف اليوم بـ ليبريا، وعُرِف قديماً بساحل العيد ، حيث يتم بيع العبيد وخصوصاً بعد ازدهار تجارة بيعهم عندما بدأ المستوطنون في العالم الجديد بالتحول من البحث عن الذهب إلى البحث عن العبيد ، و بدأ العديد من أصحاب السفن و الأعمال باختطاف آلاف البشر من أفريقيا و الإبحار بهم إلى العالم الجديد لبيعهم كعبيد للعمل في الحقول و القيام بالأعمال الحقيرة التي لا يقوم بها أسيادهم البيض.
أُختِطُف توماس عام 1724 حين كان يبلغ من العمر 14 عاماً فقط ، وقد تم الإبحار به إلى أمريكا وبالتحديد إلى ولاية فرجينيا حيث اشترته عائلة كوكس و المتكونة من السيد بيرسلي و السيدة اليزابيث كوكس ، وقد كانت هذه العائلة أمية ، لا يعرفون القراءة والكتابة و كانوا كذلك يملكون 16 عبداً ، على الرغم من اعتبار توماس (أمياً) كونه لا يعرف القراءة و الكتابة باللغة الانكليزية, إلا أنه عُرِف بمهارته الغريبة و الجبارة في حل المسائل المعقدة بوقتٍ قياسي وهذا ما قربه من أسياده و فضله سيده على بقية العبيد حتى أنه زوجه من المرأة التي أحبها دوماً . فقد كان السيد كوكس رجلاً طيباً مع توماس بالنسبة للأسياد الآخرين.
وثقت عائلة كوكس بتسليم توماس حسابات و أمور المزرعة البالغة مساحتها 232 فدّان ، و لم يخذلهم توماس يوماً بل كان قادراً على القيام بالمسائل المعقدة في رأسه فقط و بدون استعمال أي آلة حاسبة أو ورقة و قلم. مثيراً للعجب !
وبعد الحادثة المذكورة التي تجادل فيها المشرف ومساعديه في الحقل , وصل خبر “توم” إلى رجل أعمال في ولاية بنسيلفينيا وقد أثار فضوله كثيراً ومن كونه أشبه بالحاسبة البشرية , فقرر هذا الرجل و وبمساعدة اثنان من معاونيه القدوم للمزرعة و التحقق من نبأ توم شخصياً .
وبالفعل في عام 1780 جاء الرجل و والتقى بتوم الزنجي وقد كان يبلغ آنذلك 70 عاماً من العمر ، فهو شيخ كهل ، و طرح عليه عدة أسئلة حسابية كان يعرف أجوبتها مسبقاً و لقد أصاب توم في كل جواب له .
عاش الرجال في استغراب شديد ، فكيف لعبد أفريقي أن يكون بهذا الذكاء العالي ؟ وأين تعلم الحساب وهو آتٍ من إفريقيا ، القارة التي تعيش الفقر والاستعباد؟ اسئلة كثيرة دارت في عقول الرجال ، استغرابتهم مقزز ! وكأن العلم حصراً على الشعب الأبيض
استنتج الرجال أن هذا الشيخ الكبير قد علم نفسه بنفسه في شبابه ، وتعلم الحساب و على الأرجح عل في بلده في أفريقيا ، لأنه كما هو معلوم أن العبيد في أمريكا ممنوع عليهم تعلم القراءة و الكتابة.
توم من جانبه أشار بأنه تعلم في البداية الحساب لغاية رقم 10 ثم إلى الرقم 100 و هكذا .. و فقد كان يطور مهاراته الحسابية أثناء قيامه بأعماله في أنحاء المزرعة كحساب الشعرات في ذيل الأبقار و حساب حبات القمح أو الذرة في البوشل الواحد (البوشل مكيال إنكليزي للحبوب).
اعترف الرجال على مضض وغيرة بموهبة توم الزنجي العبقرية ، و أنه أعجوبة حية و لو تم اكتشافه في شبابه لربما تمكنوا من تعليمه تعليماً عالياً مثل الرجال البيض و لربما أصبح عبقرياً , ليجيبه توم “كلا يا سيدي , من حسن الحظ أني لم أحظَ بتعليم لأن العديد من المتعلمين ما هم إلا أغبياء عظام”!.
توفي توماس فولر “توم الزنجي” عام 1790 عن عمر يناهز الـ 80 عاماً و قد كُتِب في نعيه كتخليداً له : ” هنا يرقد توم الزنجي, هذا الرجل الذي علم نفسه بنفسه الحساب و الرياضيات و لم يلقنه إياه أحد, و لو توافرت له الفرص المناسبة لتحسين و صقل مهاراته ما توافر لغيره من البيض لما خجل مجتمع لندن الملكي في باريس و لا أكاديمية العلوم و لا حتى نيوتن نفسه , من الاعتراف بتوم كأخ لهم في العلم”.