قصة سيدنا عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين كاملة
مرسل: 24/11/09 17:41
دعا الفاروق ابنه وأشار عليه بخطبة الفتاة ووافق الابن الصالح من فوره.
وكأن الأمير الملهم كان يستشف ما وراء حجب الغيب، ولا عجب فهو الفاروق الذي كان ينطق بالكلمة فينزل القراّن الكريم بها من فوق سبع سماوات!!
فقد ولدت هذه الزوجة التقية لابنه عاصما بنتا سمّاها ليلي كان لها فيما بعد شأن عظيم . وما كان غريبا أن تشب ليلي عن الطوق في بيت الخلافة الراشدة فترضع التقي والعدل والعز ومكارم الأخلاق، وتتفتح أكمامها يوما بعد يوم، مبشّرة بفجر جديد يخلق في رحمها ليعيد إلي الأرض ما فقدته حينا من الدهر، بعد أن ودّعت أربعة من خلفاء رسول الله صلي الله عليه وسلم في أمته، وتحولت الخلافة الراشدة إلي ملك كريه مغتصب يتوارثه بنو أميّة بغير رضا أو شوري من المسلمين.
وقد كان من كرامات الفاروق عمر رضي الله عنه أنّه يلهم بالأمر فيحدث كما توقعه بلا زيادة أو نقصان. وهناك قصته المشهورة عندما صعد إلي المنبر ليخطب الجمعة وفجأة صاح : يا سارية الجبل الجبل ومن استرعي الذئب الغنم فقد ظلم. ويومها عجب الناس وظنّوا بعقل أميرهم الظنون، ولكن شاء الله أن يأتي البشير بعد ذلك بانتصار جيش سارية علي الفرس في نهاوند ،وأخبرهم بأنهم سمعوا في تلك الجمعة التي وقع فيها القتال صوتا يقول يا سارية الجبل الجبل فاحتموا بالجبل وكان هذا سببا لتحقيق النصر بإذن الله.
ومنها أيضا أنه كان يردد كثيرا وكأنه يناجي نفسه بما أطلعه الله عليه سبحانه وألهمه إياه: "ليت شعري من هذا الذي بوجهه شجّة- أثر جرح- من آل عمر يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا؟!
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه لا يكفّ عن التبشير بخلافة عمرية أخري قبل قيام الساعة. وكان يقول: يا عجبا، يزعم الناس أن الدنيا لا تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر الخلافة يعمل بمثل عمل عمر. وكانوا يظنون أنه سيكون بلال بن عبد الله بن عمر، لأن في رأسه علامة تشبه تلك التي جاءت بها الآثار. لكن القدر كان يحتفظ بها لحفيد فتاة أمينة اتقت ربها، وأبت ذات ليلة أن تبيع دينها بقليل من الماء تزيد به وزن اللبن.
تزوجت ليلي بنت عاصم بن عمر بالشاب الصالح عبد العزيز بن مروان الذي خرج مع أبيه مروان بن الحكم إلي الشام. وقدّر الله للأب أن يلي الخلافة ، فجعل الأمر من بعده لابنه عبد الملك ثم لأخيه عبد العزيز. وفي سنة 65 بعد الهجرة النبوية الشريفة تولى عبد العزيز بن مروان حكم مصر. وفي حلوان ولدت ليلي ابنها عمر بن عبد العزيز . كانت الغنائم وأموال الخراج تتدفق علي بيت المال من كل حدب وصوب، ولم يكن أمير مصر يأل جهدا في التوسعة علي الرعية من مال الله . وكان يحرص علي تكريم العلماء والصالحين ومنهم عبد الله بن عمر الذي كان يتلقى الدنانير من عبد العزيز بن مروان فيوزعها كلها علي الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وغيرهم من المستحقين. وكان عبد العزيز يقول لجلسائه: عجبا لمؤمن يوقن أن الله يرزقه ويخلف عليه فيحبس مالا عن عظيم أجر وحسن ثناء؟!
أحضروا إليه ذات مرة أمواله ليحصيها فإذا هي أكثر من ثلاثمائة مد من الذهب، وهو قدر يعادل ملاين الدنانير، لكن الرجل الصالح لم يغتر بكثرة المال ولم يفخر علي جلسائه بنعمة الله الوافرة، بل انهمرت الدموع علي خديه وهو يقول: والله لوددت أنه بعر ( أي مخلفات الإبل ) ولوددت أني لم أكن شيئا مذكورا، وددت أن أكون هذا الماء الجاري أو نباتة بأرض الحجاز. كان عبد العزيز بن مروان يشعر بثقل التبعة الملقاة علي كاهله، و يعلم أنه سيحاسب علي ما أعطاه الله من السلطة والمال حسابا عسيرا يوشك أن يلقي به في أعماق الجحيم ما لم تدركه رحمة الله ومغفرته. ولهذا كان حريصا علي الإنفاق من ماله ما استطاع إلي ذلك سبيلا، وكان يتقي الله في أهل مصر، ولم يكن غريبا بعد ذلك أن يشب أولاده علي شاكلته.
( 2 )
من بين أولاد عبد العزيز بن مروان كانت للصغير عمر مكانة خاصة في قلب أبويه. كانا يعلمان أن له شأنا أخبر عنه جده الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعم والدته عبد الله بن عمر وعدد كبير من الصحابة والتابعين الذين أجمعوا علي أن أعدل حكام بني أمية قاطبة سيكون فتي برأسه شجة ( إصابة )، و ينتهي نسبه إلي أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. ولم يكن هذا الأشج سوى الصغير عمر بن عبد العزيز الذي تحققت الآية فيه مبكرا.
يتبع>>>>>>