" كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ "
قصة العابد"برصيصا":
كان "برصيصا" راهب من بني إسرائيل، بنى لنفسه صومعة في الجبل بعيد عن الناس وقرر أن يهب عمره لعبادة الله تعالى فقط.
حرم على نفسه كل متع الدنيا ، عاش حياة الناسك في عبادة فقط ، طعامه كان أبسط الطعام. لم يتزوج أو يلمس امرأة في حياته.
اشتهر برصيصا بين بني إسرائيل بتقواه وورعه وزهده، وهذا ما جعل الناس يثقون فيه ثقة مطلقة.
وكان يوجد ثلاثة شباب قرروا أن يتركوا أختهم عنده ليحفظها أثناء غيابهم في سفر للتجارة.
لم يجد الشباب أكثر ثقة وأمانة من برصيصا ليتركوا أختهم عنده.
وبالفعل تركوها وذهبوا في رحلتهم...
في البداية كان برصيصا أمينًا على الفتاة، فكانت تقيم في غرفة وهو في غرفة أخرى لا يراها.
ولكن قرر الشيطان أن يلعب لعبته الأبدية في الإغواء!!!
فبدأ يسول لبرصيصا أن ينظر للفتاة عندما تحضر الطعام وكانت قبلها تطرق باب غرفته وتضعه دون أن ينظر إليها.
المرحلة التالية بدأ يزينها في عينيه وهو الذي ظل يتعبد لعشرات السنوات دون أن يلمس امرأة.
تقرب برصيصا من الفتاة ووقع في غرامها ثم زنى بها.
حملت منه فتملك برصيصا الخوف من أخوة الفتاة ومن أهل القرية لو عرفوا ما وقع بينه وبينها.
وهنا جاء دور الشيطان للمرة الثانية ليكمل لعبته..
وسوس له أن لا مخرج من الفضيحة والمصيبة التي وقع فيها إلا بقتل الفتاة ولم يكن أمام برصيصا إلا ذلك التصرف.
وبالفعل قتل الفتاة ودفنها في مكان في الصحراء.
عندما عاد إخوتها من السفر وسألوا عنها أخبرهم أنها ماتت وأنه قام بدفنها.
ولمكانة برصيصا وما عُرِف عنه صدقه الإخوة وانصرفوا .
لكن الشيطان لم يكتف بما فعل بالراهب فقرر أن يوصله إلى درجة أكبر من الذنب والجرم.
جاء الشيطان لإخوة الفتاة الثلاثة في الحلم وأوحى لهم أن أختهم ماتت مقتولة ومدفونة في الصحراء ثم أشار لهم لمكان قبرها..
عندما تناقش الإخوة الثلاثة في الصباح أدركوا أن هذا الحلم وراه حقيقة لا محالة.
ذهب الإخوة لقبر أختهم وفتحوه وأخرجوا جثتها ليجدوها مقتولة بالفعل عندها أدركوا أن برصيصا من فعل ذلك.
تملكهم الغضب الشديد فذهبوا بسرعة لصومعة برصيصا وقد عزموا على قتله انتقامًا لأختهم.
وداخل الصومعة وبينما كان الرعب قد تملك برصيصا ظهر له الشيطان وطلب منه أن يجد له سبيلًا لإنقاذه فطلب منه الشيطان أن يسجد له سجدة في مقابلها ينقذه.
انظروا كيف استدرجه الشيطان من البداية...
زين له الزنى فزنى.
ثم زين له القتل فقتل.
ثم طلب منه الكفر فكفر.
ورغم ذلك لم يصدُق الشيطان معه ولم ينقذه وإنما تبرأ منه وتركه ليموت وهو كافر بالله .
وهكذا كان كيد الشيطان للراهب الذي ترك نفسه له واتبعه حتى الكفر بالله .
تمت .
المصدر: تفسير ابن كثير